قد يبدو غريباً، لكن الحقيقة هي أن أحمد شوبير ومع نسبته إلى سلسلة طويلة من الفضائح، تظل الأخيرة في مصاف المزاعم التي يبدو أن الحظ لن يسعفها أبداً كي تنال شرف الترقي إلى قضايا.
وقد ظن البعض أن ارتباط اسم شوبير الصريح بوفاة المرحوم أحمد رفعت سوف يكون باعثاً على إبعاد هذا الوجه غير التليفزيوني عن التليفزيون للأبد، ولكن هذا الأبد تحاقر فجأة إلى شهر، ليعود الرجل مرة أخرى في صلف إلى شاشة النادي الأهلي، ثم في الأمس أدرت مؤشر الراديو إلى قناة أون تايم سبورت، ولم تكن مفاجأة أن برنامج شوبير عاد إلى المنصة التي قالت - هي وليس نحن - إن شوبير خالف القواعد المهنية وسياسات المحتوى الخاصة، وإن الفوضى في قطاع الإعلام الرياضي، والتي يمثلها كابتن أحمد، تستلزم مواجهة حاسمة حرصاً على حق المواطن المصري في إعلام رياضي يتوخى الصدق!
لكن، نحن لسنا هنا بصدد مناقشة الأسباب التي مكَّنت شوبير من العودة إلى العمل كي يمارس مخالفة القواعد المهنية مرة أخرى، فكلنا على دراية واسعة بها، بل نريد تناول الفهم العميق لظاهرة النسيان الجمعي التي قامت بتعقيم الغضب الماحق يوم وفاة رفعت، إلى الاستماع في وداعة إلى إعلان برنامج مع شوبير، والتظاهر أن شيئاً لم يحدث.
يُعد النسيان جزءاً من الحياة الكروية في مصر، ومع تردي الأحوال الاقتصادية يبدو أن الجماهير اختارت أن تنسى أنها لا تزال الممول الرئيسي لكرة القدم كتجارة، فقلة التذاكر المبيعة لمباريات الدوري العام المصري ترجمها المشجعون إلى إغفال دورهم كمكون رئيسي في التمويل من خلال حقوق البث التليفزيوني؛ إذ يعد البث التليفزيوني للمباريات والبطولات مصدر دخل ضخم للأندية الرياضية. وليس خافياً أن زيادة عدد الجماهير التي تتابع المباريات عبر التليفزيون أو الإنترنت، تزيد من قيمة حقوق البث التي تتفاوض عليها الأندية مع القنوات والشبكات التليفزيونية، لكن يبدو أن تفضيل الجماهير تجاهل إنفاقها على الكرة في مصر هو نوع من الهروب من الواقع، فبسؤال الناس عن الدوري المصري ستكون أغلب الإجابات أنه مفيش كورة في مصر حالياً، ولكن هذه الإجابة غالباً ما تكون لتجنب الخزي الناتج عن معرفة الجميع أنهم هم أصلاً من يدفعون رواتب العاملين في المجال الرياضي، فأحمد شوبير سلطان زمانه في قناة أون سبورت يتقاضى الملايين عن طريق صاحب المقهى التي ترتادها أنت كل ليلة، ومن جيب الميكانيكي الذي يريد أن يستمع لتحليل مباراة الأهلي؛ لأنه كان يقوم بصيانة سيارة الدكتور الذي كان يستمع للاستديو في الطريق إلى عيادته.
ما يعني أننا من ينفق على شخصيات عامة متهمة بالفساد، ونفعل هذا كله ونحن نعاني من ضيق الحال، فليس هناك حل لتحمل هذا العار سوى العيش في حالة مستترة من الإنكار.
كي لا نتحامل على الجماهير ونقطع بأن نسيانها لرفعت كان بدافع الحفاظ على صحتها النفسية، فتوالي الأحداث بسرعة يمكن أن يكون سبباً رئيسياً في نسيان الجماهير لقضية شوبير/رفعت. هذه الظاهرة تُعرف في علم النفس والاجتماع بأنها جزء من التأقلم المعرفي أو الإرهاق المعلوماتي، حيث تتعرض جماهير الرياضة في مصر في فترات زمنية قصيرة لكمية هائلة من الفضائح والصدمات المتسارعة، الأمر الذي يؤدي إلى تقليص غير متعمد للذاكرة النشطة، والتوجه نحو التركيز على الأحداث الجارية، فوفاة رفعت التي حدث يوم ٦ يوليو كانت متبوعة بأولمبياد باريس في ٢٦ يوليو. أي بعد عشرين يوماً شهدت الرياضة المصرية فضائح أخرى، كان من أبرزها أداء بعثة مصر في أولمبياد باريس 2024، التي تضمنت انتقادات شديدة بسبب إهدار المال العام، وسوء التخطيط، والمحسوبية. على سبيل المثال، اتُّهم رؤساء الاتحادات الرياضية بإهدار حوالي 1.2 مليار جنيه، مع مطالبات بتحقيقات جنائية ضدهم بسبب إخفاقات عديدة.
ومن بين تلك الفضائح هزيمة منتخب كرة القدم أمام المغرب بنتيجة ثقيلة (6-0) في مباراة تحديد المركز الثالث. كما انتُقدِت مشاركة لاعبة سلاح الشيش، ندى حافظ، وهي حامل في الشهر السابع، حيث تعرضت لمخاطر صحية ولم تحقق أي إنجاز. ثم اعتقال المصارع المصري محمد إبراهيم السيد المعروف باسم كيشو في باريس بتهمة الاعتداء الجنسي، كل هذا كان كفيلاً بمحو رفعت من سجلات الذاكرة الجمعية لحاجتها لمساحة تستوعب البيانات الجديدة.
تتكرر فضائح أو مشاكل معينة لدرجة أن الجماهير تصبح معتادة على حدوثها، ما يؤدي إلى فقدان الشعور بالصدمة أو الحاجة للتذكُّر، فشوبير ليس الشخصية الرياضية الأولى التي تعود إلى العمل الرياضي بعد ذهابها لاتهامات بالفساد، فحسن حمدي، الرئيس السابق للنادي الأهلي، واجه اتهامات بالفساد في قضية الأهرام، حيث كان يشغل منصب مدير الإعلانات في المؤسسة. ورغم هذه الاتهامات، عاد إلى العمل في المجال الرياضي لفترة من الزمن، وحظي بدعم كبير من جماهير النادي. وسمير زاهر، رئيس الاتحاد المصري لكرة القدم السابق، تعرض لاتهامات بالفساد خلال فترة رئاسته لاتحاد الكرة. رغم ذلك، عاد إلى العمل الرياضي بعد انتهاء فترته القانونية، وشارك في العديد من الفعاليات الرياضية. كذلك مرتضى منصور، رئيس نادي الزمالك السابق، تعرض للعديد من الاتهامات بالفساد وسوء الإدارة على مر السنوات. ورغم تعرضه للعزل القانوني أكثر من مرة، كان يعود للعمل من خلال انتخابات جديدة أو بعد صدور أحكام قضائية لصالحه، وكذلك هاني أبوريدة وجمال علام ومجدي عبد الغني!
في النهاية، تناسي الجماهير الفساد ظاهرة معقدة تتعلق بعدة عوامل نفسية واجتماعية وثقافية، وغالبًا ما تؤثر العوامل الاقتصادية والسياسية على طريقة استجابة الجماهير للفساد، حيث يمكن أن تساهم الظروف المعيشية الصعبة في تقبل الناس للفساد كجزء من الواقع اليومي.
في بعض الأحيان تلجأ الجماهير إلى تجاهل الفساد أو تقليله كوسيلة للتعامل مع الإحباط أو الإحساس بالعجز، خاصة عندما تكون المحاسبة غائبة، أو عندما لا تؤدي الشكاوى غير النهائية إلى نتائج ملموسة. ولكن وضوح هذا الشعور بالاستسلام دفع مشجعي كرة القدم في مصر إلى إرجاء القضايا المهمة، مثل تورط واحد من أشهر الإعلاميين الرياضيين في تاريخ مصر في وفاة لاعب واعد في المنتخب الوطني، والتركيز على جوانب أخرى من كرة القدم أكثر أهمية، مثل تسريحة شعر إمام عاشور.